Red Dead Redemption 2 هي واحدة من أبرز ألعاب العقد الماضي، إلى جانب سابقتها الأسطورية Red Dead Redemption، حيث تتناول كل منهما حكاية رعاة البقر الذين يحاولون جاهدين السير بخطة ثابتة نحو المستقبل، ليواجهوا سريعًا عواقب قراراتهم التي إتخذوها في سبيل تحقيق ذلك. يتم استكشاف هذه العواقب من عيني بعض الشخصيات التي لا تُنسى، مثل الخارج عن القانون جون مارستون في الجزء الأول، والإنسان المعقد آرثر مورغان في الجزء الثاني.
أصول شخصية Arthur Morgan
وُلد Arthur Morgan عام 1863 لوالديه بياتريس ولايل مورغان. تم القبض على والده (والذي كان نذيرًا بما سيحدث مع الإبن) بتهمة السرقة في عام 1974 عندما كان آرثر يبلغ من العمر 11 عامًا فقط. يستمر آرثر في الاستياء من والده فترة طويلة حتى بعد نضجه وقيامه بالعديد من السرقات إلى أن ينضم أخيرًا في عام 1978 لعصابة Dutch van der Linde، ولم يمض وقت طويل حتى يعتبرهم عائلته الثانية، ويبدأ كذلك في مشاركة رئيس العصابة دوتش رؤيته نحو حياة حرة بعيدًا عن الحضارة والقانون.
يحاول آرثر إيجاد الحب مرة وإثنين، ولكن ينتهي الأمر به بالانفصال مرة، وبزوجته وابنته مقتولين في حادثة سرقة، ولم يستطع آرثر تجاوز هذا الألم مُطلقًا. فكرة أنه خسر كل ما يربطه بعائلته الأصلية، والعائلة التي حاول أن يصنعها، وأيضًا مجموعة السرقات الفاشلة والتحديات وصعوبة استقرار العصابة الجديدة، كل هذا يجعل آرثر في دوامة من الخوف والغضب وعدم الانتماء وهو يواجه عالمه المتغير باستمرار. كل هذه العوامل صنعت Arthur Morgan الذي نعرفه، والذي أصبح سريعًا واحدًا من أكثر الشخصيات الأيقونية في تاريخ ألعاب الفيديو الحديثة، لمدى عمق آلامه وسهولة التعاطف مع شخصيته وظروفه المتغيرة والمؤلمة.
أبعاد شخصية Arthur Morgan
شخصية Aruthr Morgan المُعقدة مدفوعة في المقام الأول بخلفيته القصصية. نحن لا نتعرف فقط على رجل الوقت الحاضر، ولكن الرجل الذي كان عليه في السابق، وأيضًا من كان من الممكن أن يكون عليه لو كان قد إتخذ خيارات مختلفة. معرفة حسرته على ما كان من الممكن أن يحصل عليه يقربنا منه أكثر وأكثر، وهذا من خلال براعة الكاتب في عرض سلوكياته وطرق تعامله المختلفة مع مشاكله – خاصة عشيقته السابقة قبل زواجه ماري، لأنه لم يستطيع منحها ما تريد ولم تقدر هي عن تقبل أسلوب حياته الغير مستقر، ولم تفهم إنها كانت عائلته الوحيدة التي لم يحصل عليها أبدًا.
آرثر لديه العديد من الصفات المتناقضة التي توضح أبعاد شخصيته المعقدة. إنه شريف ومخلص ويهتم بالآخرين بشده بسبب ضعفه الداخلي ورغبته في الحنان والإهتمام، ولكن هذه هي إيضًا أسباب سقوطه لأنه مخلص للرجل الخطأ، ويتخذ قرارات يعرف أنها خاطئة، بل أنه يتخذ نفس القرارات التي لام عليها والده في الماضي. فقط الشرف والتعلّق الشخصي هما ما يمليان عليه أن لا يخذل دوتش وعصابته التي يعتقد أنها حقًا عائلته. العلاقة بين صفاته الحميدة وخياراته الخاطئة تخلق بيننا وبينه تعاطفًا ليس من السهل وصفه بالكلمات. إنه يحاول حقًا القيام بالشيء الصحيح، لكن لا يمكن للإنسان محاربة نفسه، أو مقاومة المشاعر الدفينة بداخله ورغبته في الحصول على الحب والأمان.
صراعات Arthur Morgan الداخلية
لمسة أخرى جميلة أضافها صناع اللعبة هي أن آرثر يحب الكتابة كثيرًا، مما يعطينا نظرة ثاقبة على مشاعره الحقيقية وحياته عندما نقرأ مذكراته. الخيوط السرية التي تلف حول قلبه والأسرار التي لن يدع أي شخص آخر يراها، فقط اللاعب هو من يعرف الحقيقة الكاملة عن Arthur Morgan وصراعاته الدفنية التي لا تنتهي. من خلال كتابات آرثر نلاحظ التأثير النفسي لانتقاله من خارج على القانون إلى بطل ثانوي، ولكن لا يحدث ذلك إلا بعد إصابته بمرض السل … الأمر الذي يدفعه حقًا للتفكير في أفعاله وأخطاءه، ويتسبب موته الوشيك في شعوره بالقلق الذي تسبب فيه للعديد من الأرواح، فيحاول أخيرًا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، واختيار انسانيته وشرفه بدلًا عن أحلامه وأمانيه الشخصية.
تماشيًا مع قيم آثر وخياراته، يتفاعل أسلوب اللعبة مع شخصيته المتضاربة، وتسمح لك بإتخاذ قرارات تؤدي إلى ارتفاع مقياس الشرف أو الجريمة، والذي للأسف لا ينجح أي منهما في إنقاذ حياة آرثر. القيام بأفعال جيدة سيمنحه فقط موتًا هادئًا تحت سفح الجبل، أما اختيار القرارات الخاطئة ستجعله نادمًا ومشوشًا وفي نهاية المطاف سيتم إعدام آرثر من قبل عضو عصابة زميل وتجريده من أي فرصة لكي يموت بسلام وآمان. هذا التباين ليس سهلًا على الإطلاق، لأن نقاط قوته وضعفه تتصارع في كل مشهد وكل خيار، ونرى في كل لحظة الألم والنضال في عينيه.
طاقم شخصيات وعالم أسطوري
عالم اللعبة لا يتعلق بالضرورة بشخصية Arthur Morgan، ولكنه بنفس أهميه ماضية وقصته، لأنه ما فائدة الشخصيات الديناميكية إذا كانت تعيش في عالم سطحي ثنائي الأبعاد؟ النطاق الهائل والملموس والإمكانيات اللانهائية تعني أن آرثر لديه الفرصة للانخراط في العديد من الطرق المختلفة والمحادثات الفريدة التي تعطينا نظرة أعمق عن آرثر كشخص يعيش ويتعايش في هذه الحياة الصعبة والكئيبة.
طاقم الشخصيات يعكس بدوره رحلة آرثر ويُعتبر دوتش مرآة لصفات وهوية آرثر الحقيقية. ينما يشرع آرثر في مسار الخلاص والتحرر من قيود ماضيه، يفتقر دوتش وعصابته إلى مثل هذه القناعات الراسخة، ويتعمقوا أكثر في أسلوب حياتهم الإجرامي، هذا التباين يجعلنا نتعاطف أكثر مع قرارات آرثر التي إتخذها في نهاية حياته، وتذكرنا دومًا بما يمكن أن يصبح عليه لو تخلى عن شرفه وهويته الإنسانية.
الرجل الذي شرع Arthur Morgan في إنقاذه كذلك (جون مورستن) يعمل بمثابة تذكير لما كان من الممكن أن يكون عليه آرثر لو تحلى بالحب وكان له فرصة حقيقية لإتخاذ القرارات التي كان يريدها. شعرنا بالشوق في عيون آرثر لإتخاذ القرارات التي لم يستطع فعلها وهو أصغر سنًا، الرغبة في الحصول على حياة زوجية سعيدة وعائلة بعيدًا عن حياة العصابات، كل هذا يمكن ملاحظته من خلال علاقته بجون وكيف ساعده في النهاية.
كلمة أخيرة
انعكاس شخصية Arthur Morgan يمكن رؤيته في كل تفاصيل القصة. كرهه للعنصرية والتمييز بين النساء والرجال، عدم رغبته في القتل أكثر مما هو مطلوب، وخبرته بوسائل النقل والاستراتيجيات واستخدام الأسلحة، طبيعته الروحانية المؤمنة بوجود الحساب بعد الموت، كل هذا وأكثر صنع الميثاق الأخلاقي الذي جعله واحدًا من أكثر الشخصيات عمقًا في تاريخ الألعاب، لما قام به الاستوديو من عمل مضني لكي يستكشفوا هذا العمق من خلال كل مهمة وكل تفصيلة وكل شخصية جانبية على مدار 60 ساعة تقريبًا من وقت اللعب. Arthur Morgan هو فعلًا الإنسان الواقعي المتكامل بكل تناقضاته وصفاته وأحلامه ومخاوفه، وبالتأكيد أي شخص يقوم بتجربة اللعبة سيجد رابطًا شخصيًا وعاطفيًا بينه وبين آرثر.