القصة وراء لعبة Returnal عميقة ومُربكة ومنفتحة على العديد من التفسيرات، ولذا فإن هذا المقال لا يمكن اعتباره التفسير الوحيد الصحيح، وسيظل هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها رغم كل شيء.
من الصعب جدًا معرفة ما هو حقيقي وما هو غير موجود في قصة Returnal. بعض المعلومات قد توفر مساعدة في التفسير، إلا أنها قد تكون غير موثوقة أو ملتوية بطريقة ما، وبعض العناصر الأخرى مثل التقارير أو المقابلات قد تكون صحيحة ولكنها وحدها ليست كافية لرؤية الصورة الكاملة، خصوصًا مع طبيعة اللعبة اللانهائية والعشوائية.
لكن هذا هو الجمال في قصص الغموض. البحث عن الحقيقة، والتحليل، والتفكير، وجمع قطع الأحجية الناقصة شيئًا فشيئًا. لا يوجد الكثير من القصص التي تمنحك هذه المتعة التفاعلية، ولهذا فإننا نحاول بقدر الإمكان الوصول إلى حقيقتنا الخاصة من خلال تحليل جميع سجلات الاستكشاف والسفن، وإعادة مشاهدة المقاطع القصصية، والبحث وراء العديد من مصادر الإلهام، وهذا المقال هو نتاج الوقت الذي أمضيناه في البحث المضنى عن حقيقة Returnal.
تحذير حرق: بدئًا من هذه النقطة سيكون هناك حرقًا لجميع أحداث اللعبة بالكامل، ولذا فإننا لا ننصح بإكمال القراءة إلا لمن قاموا بالانتهاء من اللعبة أولًا.
الميثولوجيا الأغريقية في لعبة Returnal
إذا كان هناك شيئًا واحدًا يتفق عليه جميع اللاعبون، فهو أن اللعبة لها قاعدة واسعة في الأساطير اليونانية، كما يتضح من أسماء الشخصيات مثل سيلين، هيليوس، أسترا، أتروبوس و ثيا. نحن لا نعتقد أن الحضارة الإغريقية تم اعتبارها كمرجع لاختيار اسماء الشخصيات وحسب، بل نثق أن الكيانات في اللعبة هي تمثيلات فعلية لكيانات الأساطير اليونانية المقابلة، وإعادة تخيل للعديد من الأساطير التي تحمل نفس الاسم.
يتضح هذا من فكرة الروابط العائلية في اللعبة، مثل أن سيلين هي ابنة ثيا وهايبريون. هايبريون في Returnal ليس مجرد والد البطلة، بل كان موجودًا فعلًا على قمة البرج الذي نتسلقه في البيئة الرابعة منذ فترة طويلة قبل اختفاءه، كما أنه لا يجب تجاهل مكان جريان الأحداث نفسها، وهو كوكب أتروبوس الذي طبقًا للاساطير لديه دور في تحديد طريقة وفاة البشر وإجبارهم على ذفع ثمن خطاياهم في حلقة لا نهائية من العذاب.
هذا هو ما يحدث فعلًا في قصة Returnal: سيلين مُحاصرة إلى الأبد في دائرة من الموت والحياة، وفشلت جميع محاولاتها في الهروب. يتم الإشارة بين الحين والآخر إلى دوائر العذاب في الميثولوجيا الأغريقية مثل Tartarus العالم السفلي، وشخصية Sisyphus التي حاولت مواجهة الموت والتحايل عليه وفشلت، والكثير والكثير من الاسقاطات الأخرى على فكرة المكان ووظيفته. الكثير من التسجيلات أيضًا توضح فكرة أن سيلين تحاول التكفير عن ذنب ما اقترفته وتريد الهروب منه بأي شكل، إلى أن تقبل مصيرها في النهاية وأنها تعيش عقوبتها على هذا الكوكب، وأن العالم الذي تعيش فيه هو حقًا العالم السفلي تارتاروس.
لماذا تتعرض سيلين للعقاب الأبدي؟
لكي نفهم هذه النقطة، يحب أن نعيد النظر في بعض الأحداث في قصة المنزل، والذي يبدو واضحًا أنه يمثل نفسية سيلين بكل ما تحمله من أفكار ومخاوف ورغبات وندم وأحداث مهمة غير حياتها، مثل حادث السيارة التي أصابت والدتها ثيا بإصابات شديدة في العمود الفقري، وأهمية استكشاف الفضاء.
هذان الشيئان اللذان تم عرضهما على شاشة التلفاز بالمنزل يميزان حياة سيلين من ناحية الحاجة إلى رعاية والدتها المصابة، ومن ناحية رغبتها العميقة في الذهاب إلى الفضاء الخارجي واستكشاف المجهول وتعزيز العلم والحضارة. للأسف والدة سيلين كانت تعارضها ولا تتركها تعيش حياتها وتحقق أحلامها، وربما نبع ذلك من أنها تحدسها لأنها تقوم بما لا تستطيع هي القيام به لأنها قعيدة.
هكذا يرتبط الأمران معًا بشكل كبير، وحان الوقت الذي كانت يجب أن تختار فيه سيلين بين والدتها ولحمها، وفي النهاية قررت أن تتخلي عنها لتذهب إلى الفضاء، وهذه كان الخطيئة الأولى التي ارتكبتها. حتى أنها كانت حاملًا في طفل، وقررت إجراء عملية إجهاض للتخلص منها، وأبقت الأمر سرًا عن الجميع حتى لا يطردونها من البعثة. يمكن فعلًا تجربة اللعب بالطفل اللذي لم يولد أو مشاهدة بعض المقاطع القصصية له، وهو يدُعى هيليوس. كل ما نراه يحدث من وجهة نظره يدعم فرضية الإجهاض ورغبتها العارمة في التخلي عن كل شيء من أجل حلمها.
أما بالنسبة لرائد الفضاء، فهو ببساطة تجسيد لرغبة سيلين الدفينة في استكشاف الفضاء والتحرر من حياتها على الأرض بأي ثمن. جميع التسلسلات الزمنية داخل المنزل تتبع ترتيبًا معينًا ليس لأحداث بعينها، وإنما ترتيب الصراعات النفسية التي تحدث بداخلها، والذي يتم تمثليها في شكل رائد الفضاء والطفل بالترتيب. تحطمت سيلين عقليًا بسبب كل ما تخلت عنه، وبسبب حكمها على كل شيء آخر في حياتها بأنه لا فائدة منه، وحتى أن هناك تلميح خفي لشعورها بالذنب عندما يظهر في المنطقة الأولى عبارة: “تحذير: التخلي عن هيليوس”، وبما إنها المرة الوحيدة التي يحدث فيها ذلك، فيبدو واضحًا أنها كناية عن ترك طفلها ورائها لكي تتمكن من الاستكشاف والهروب.
نهاية لعبة Returnal
مع وضع كل ما سبق في الاعتبار، يسهل فك رموز النهايات.
في النهاية السرية – التي لا يمكنك الحصول عليها إلا بعد جمع كل شظايا وجه الشمس و “إصلاح” الشمس – تمثيل لها وهي تحاول إصلاح أفعالها السابقة – كما يجب أن نتذكر أن هيليوس هو إله الشمس في الأساطير اليونانية. لا يوجد شمس على كوكب أتروبوس لأن سيلين حتى الآن لم تواجه ماضيها، وما نراه في النهاية العادية هو ما تتعرض له كجزء من عقابها، لكن في النهاية الحقيقية تتمكن أخيرًا من إصلاح الوضع مع إبنها ومع الكوكب بأكمله.
ملحوظة: الجانب الأكبر من Returnal يهتم بعلاقة سيلين مع طفلها وليس الأم، لذا وإذا كنا فعلا ننوي أن نسير على خطي الميثولوجيا الأغريقية، فربما يكون التفصير أن سيلين وثيا هما نفس الشخصية، ولأنه في الأسطورة ثيا كان لديها طفلين وهما سيلين وهيليوس، فالاعتقاد السائد أن ثيا الحقيقة مشلولة، وفي غيبوبة من الانهيار النفسي، وأن أتروبوس وسيلين وهيليوس جميعها إبداعات من عقلها لتحاول الهروب مما فعلته.
العديد من المراجع تشيلر إلى نظرية انقسام الشخصية مثل الصور التي تشير إلى سترة حبس المرضي، وأن معركة عدو Nemesis تحدث فقط في عقل سيلين، وفكرة أن سيلين وثيا متطابقتين جسديًا. يمكن تفسير النهاية بحامل ثيا على كرسي متحركة بأنها خسرت كل شيء في الحادثة التي تعرضت لها، أحلامها وطفلها، وصنعت كل هذا من خيالها لتحاول تحقيق أحلامها التي لم تعد باستطاعتها بعد الآن، وهكذا فإنه يمكن اعتبار بطلة Returnal الحقيقية ومحور الصراع النفسي بالكامل هي الأم ثيا وليس الإبنة سيلين.
كلمة أخيرة
هناك الكثير والكثير من التفسيرات والنظريات التي يمكن رؤية قصة Returnal من خلالها، ولكن في النهاية من الواضح أن قصة اللعبة تتمحور حول الإحساس بالندم، ومواجهة الماضي، وتحمل المسئولية، ولا ننكر أن الأسلوب الجديد والمُبتكر في تقديم مثل هذه الأفكار بأشكال فضائية ومرعبة وغير منطقية ومُقسمة إلى تفاصيل متناثرة ساعد في تقوية هذه الرسائل وجعلنا رنانة في أذهاننا بدرجة غير مسبوقة.
Returnal متوفرة الآن حصريًا على منصّة PS5.