مقالات

آراء: هل يمكن اعتبار ألعاب الفيديو شكلاً من أشكال الفن؟

هل ألعاب الفيديو ترتقي لمستوى الفنون ... أم أن الفن والتكنولوجيا شيئان مختلفًان تمامًا

من خلال أي تعريف رئيسي للفن، وفقًا للنظريات التاريخية والجمالية والتمثيلية والتعبيرية، نجد أن هناك أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأن بعض ألعاب الفيديو يجب تصنيفها على أنها فن.

يعتمد العديد من الناقدين إلى الجدال بأن الألعاب يمكن أن تكون ممتعة ومجزية من نواح كثيرة، ولكنها لا تستطيع نقل التعقيد العاطفي الدي هو أصل الفن، لكن هذا الاعتقاد نعتبره خاطئًا، وهذا لأنه رغم أنه نادرًا ما توجد أسئلة في فلسفة الفن لها عواقب مباشرة في العالم الحقيقي، إلا أن عدم الاهتمام الفلسفي والعاطفي بألعاب الفيديو يمكن أن يكون له تأثير واقعي ملموس على الصناعة التي أصبحت تقدر الآن بمليارات الدولارات، وأصبح تطوير النموذج الكتابي والتطبيقي لأي لعبة فيديو محض إهتمام من العديد من الجهات الفنية والتمثيلية وحتّى النفسية، خصوصًا نفسية الأطفال واللاعبين صغار السن

بعض الأمثلة التي بدأت هذا الحديث في تاريخ الصناعة هي ألعاب Max Payne, Splinter Cell و Halo. ثلاثة ألعاب نالت استحسانًا كبيرًا من النقاد، وأشارت إلى الإمكانيات الواعدة للصناعة، مثل استخدام منظور الشخص الأول المتغير لإعادة تطوير ومعالجة مشاهد القصة الأساسية بطرق مختلفة، وتحفيز اللاعب بشعور الغضب الموجه نحو الانتقام من خلال إجباره على عيش حلقات هلوسة يكون فيها البطل عاجزًا عن منع ذبح عائلته، وتكامل أساليب التقديم مع المشاهد وتأثيرات الإضاءة المتقنة واللعب المدهش بالظلال لإثارة الشعور بالتوتر الذي ينتاب المرء عند التسلل والاختباء من الخطر.

أين هو الفن في ألعاب الفيديو؟

الفن

من أجل تحديد ما إذا كانت ألعاب الفيديو شكلاً من أشكال الفن، نحتاج أولاً إلى فكرة عن المكان الذي قد يكمن فيه الفن. تجمع ألعاب الفيديو بين عناصر من أفلام الخيال والروايات والموسيقى والرياضة.

الرياضات عادة ما يتم تقييمها جماليًا أو وظيفيًا، لأن بعض الرياضات هدفها الاستعراض في المقام الأول وتحقيق المعايير الجمالية، وبعض الرياضات الأخرى هدفها تسجيل الأهداف وكسر الأرقام والمنافسة. هذا قد يعني أنه من الممكن أن نعتبر المنافسة معادية للإبداع، ولكن الواقع ليس صحيحًا، والمنافسة لا تنكر شيئًا من مكانة الفن.

يمكن للمرء أن يؤلف قصيدة ولا تفوز في مسابقة لكنها لا تتوقف عن كونها عملًا فنيًا، وهناك العديد من أبطال الروايات الذين نشجعهم ونسير ورائهم حتى لو كانت رحلتهم خاسرة في النهاية. ألعاب الفيديو لا تختلف كثيرًا عن أي منافسة أخرى أو عمل فني جمالي، وهذا لأن أي نجاح في لعبة الفيديو هو نجاح شخصي لنا، بالعكس فإن النجاح في لعبة الفيديو لا يعتمد فقط على فهم قواعد اللعب التنافسية، بل تشمل ألعاب الفيديو السرد والتصميم والجرافيك والتشخيص والحوار والمزيد، وكل هذا يشغل عقول اللاعبين والمشاهدين، وتجدهم يتنافسون في صنع أفضل الحركات وتصويرها ومشاركتها مع اللاعبين الآخرين، بالإضافة إلى أن أي منافسة تحدث على الإبداع الذاتي هي فن في حد ذاته.

تاريخ الفن والسينما وعلاقته بألعاب الفيديو

الفن

أما بالنسبة لتاريخ الفن، فطبقًا لكتاب فسلفة الفن العام: جميع الفنون تبحث في النهاية عن هدف واحد وهو كيفية إشراك الجمهور في العمل الفني. وسائل النقل والبث عادة ما تمنع الأعمال الفنية من أن تصل إلى قلوب المعجبين بشكل مباشر، وهنا يتفوق الممثل المسرحي على الممثل السينمائي في أنه يعرض أدائه على الجمهور شخصيًا، ويسمح لهم باتخاذ موقف الناقد فعليًا أثناء العرض. كثيرًا ما نسمع فكرة أن الأفلام يمكن أن “تكسر الجدار الرابع” من خلال تقنيات السرد كمخاطبة الجمهور مباشرة، ولكن الجدار لا يزال قائمًا، ولا يمكنك ببساطة أن تتحكم في سير أحداث الفيلم أو تتفاعل معه، على عكس ألعاب الفيديو التي كسرت تلك الحدود، وحققت التفاعل الأمثل الذي يبحث عنه الفنانون طويلًا في جميع المجالات.

على هذا المنوال نستطيع الآن نقاش النقطة التالية بوضوح، وهي أن ناقدي الأفلام الكلاسيكية دومًا ما يركزون على العلاقة بين الفن والتصوير الفوتوغرافي أو المسرح، ويعتقد العديد منهم أن أفضل طريقة للتعامل مع فن ألعاب الفيديو هي العثور على ميزاته المتشابهة مع شكل فني آخر مماثل، بدلًا من التعامل مع ألعاب الفيديو كفن حديث قائم بذاته، يعتمد بشكل أكبر على الرسوم المتحركة والتكنولوجيا الرقمية ومدخلات اللاعبين المتنوعة.

وفي نظرنا هذا هو الإتجاه الصحيح لأن ألعاب الفيديو عمومًا قصصها طويلة ومتشابكة وغالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا من أي فيلم مهما كان طوله. حتى لو استطعت ذكر تفاصيل الفيلم، فلن تتمكن من سرد تفاصيل معظم الألعاب الحديثة، مع الوضع في الاعتبار جميع الخيارات التي تتيحها كل لعبة لشرائح مختلفة من اللاعبين، وأن أي لعبة الآن على الأقل تحتاج إلى 20 ساعة على الأقل لسرد قصتها كاملة.

على مدى العقد الماضي كان هناك قدر معتدل من التأثير بين الأفلام وألعاب الفيديو، وهذا لأن الألعاب في الماضي كانت تتمحور حول Mario و PacMan، ولكن الآن الألعاب الحديثة أكثر تعقيدًا، وغالبًا لا تعتمد في أسلوب تقديمها على المشاهد السينمائية بين الأحداث الكبرى وبعضها، بل أصبحت الألعاب مكانًا لزيادة واقعية السرد نفسه من خلال تضمين العديد من الوسائل المتداخلة ومنها المشاهد السينمائية/ كالتحكم في منظور الكاميرا، وحركة الشخصيات أثناء الكلام، ونوعية الكلام الذي يقولونه، وغيرها الكثير.

العديد من الألعاب الآن تعتمد على مجموعة كبيرة من الأدوات الجمالية المتاحة لصانعي الأفلام، وأيضًا كُتاب القصص الروائية، حيث بدأت ألعاب الروايات القصصية الآن مثل Steins Gate و The House in Fata Morgana في الحصول على شهرة واسعة، لأنها تبث روحًا جديدة في الروايات المكتوبة، وتجعلها أكثر متعة للقراءة والتفاعل مما لو كانت رواية عادية مصمتة، ولذا فإن ألعاب الفيديو يجب أن نعتبرها في نفس مستوي الأعمال السينمائية والمكتوبة، إن لم تكن أقوى منهما في القدرة على تشجيع اللاعب على الانغماس ومنحه القدرة على الاختيار.

حقائق عن صيت ألعاب الفيديو

الفن

الآن تجري ندوات مثل ندوة Artcade عن استكشاف العلاقة بين ألعاب الفيديو والفن، ومتحف Whitney Museum of American Art قام بتدشين معرض مخصص لألعاب الفيديو يُطلق عليه اسم BitStreams، والذي يعرض العديد من الأعمال الفنية المُستلهمة من ألعاب الفيديو. ألعاب الفيديو والفنون الرقمية في العموم تحظي بحضور متزايد في المتاحف كل سنة، وتظهر في برامج الفنون الجميلة، ويتم تدرسيها في الجامعات مثل معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا وجامعة نيويورك كفرع مهم من برامج وتكنولوجيا الترفيه، وحتى أن جامعة جورجيا أنشأت مؤخرًا درجة الدكتوراه في الوسائط التفاعلية التي تدمج بين دراسات الاتصال وعلوم الكمبيوتر.

خارج عالم الفن والسياقات الأكاديمية، ألعاب الفيديو هي الآن موضوع تقييم جمالي شعبي، ويتم عرض جوائز وحفلات مخصصة لها مثل أفضل شخصية وأفضل إخراج، ويتم نشر مراجعاتها على مواقع الفن إلى جانب الأفلام والموسيقى الشعبية، وبالطبع فإن ميزانية تطوير ألعاب الفيديو أصبحت ضخمة للغاية وتوازي -إن لم تتعدى- ميزاينة الأفلام والمسلسلات، وأصبحت كل لعبة مشروعًا تعاونيًا مكثقفًا يجمع بين العديد من الثقافات والجنسيات والمصممين وكتاب السيناريو، وحتى الفنانين وعلماء النفس، كما أن مخرجي الأفلام وكاتبي المسلسلات بدأوا في التحرك بجدية نحو عالم ألعاب الفيديو وقدرته اللامتناهية على صنع قصص طويلة وعميقة، مثلما فعل جورج أر مارتين مع التحفة القادمة Elden Ring.

كلمة أخيرة

الفن

الآن أصبحت شريحة كبيرة من المعجبين من مختلف الخلفيات الفنية يرون بوضوح الاستمرارية الموضوعية والتناغم التعبيري بين الأدب والفن وألعاب الفيديو. لا يوجد شيء متأصل في لعبة الفيديو يستبعد إمكاناتها الفنية وقدرتها على إثارة المشاعر من خلال أساليب السرد التفاعلية. حتى الآلعاب التنافسية الآن لا تعتمد فقط على الانتصار، بل هناك ألعابًا تستخدم فكرة الخسارة والعودة مجددًا إلى أرض المعركة بطرق ذكية، وتدمجها بشكل مُبتكر في أسلوب السرد. وربما تستطيع ألعاب الفيديو أن تكون وسيطًا أقوى للتعليق على مدى الحقيقة المروعة للحروب وتأثيرها على عقلية الجنود والمحاربين.

ومن خلال استكشافنا لجميع نظريات وجوانب الفن التمثيلي، نجد أن ألعاب الفيديو تحظي بدعم أقوى بكثير من الناحية النظرية في كونها شكل من أشكال الفن، لأنها تلّبي جميع المعايير الأساسية التي وضعتها جميع الفنون والرياضات الأخرى، وتتفوق عليهم في بعض النقاط، أهمها توفير محاكاة كاملة لأي تجربة يمكن أن يخوضها اللاعبين، سواء أكانت اللعبة تتحدث عن الهوايات أو حياة المدنيين ومواجهة الكوارث أو الصعاب، أو تجبرهم على إتخاذ قرارات والتعلم من أخطائهم بصورة لا تساعد فيها وسائل المتعة الأخرى لأنها لا تضع المشاهد أمام الأمر الواقع وتجبره على مواجهة نفسه والحقائق الكامنة بداخله مثلما تفعل ألعاب الفيديو.

زر الذهاب إلى الأعلى